عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: حدثني عمر بن الخطاب، رضوان الله عليه، قال:

قتل يوم بدر من المشركين سبعون رجلا، و أسر منهم سبعون، و استشار رسول الله صلى الله عليه و سلم، أبا بكر و عمر، فقال أبوبكر: يا نبي الله هؤلاء بنو العم و العشيرة و الإخوان، و إني أرى أن نأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوة على الكفار، و عسى أن يهديهم الله تعالى، فيكونوا لنا عضدا.

فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم، ما ترى يا بن الخطاب!!؟.

فقلت: و الله ما أرى ما يرى أبوبكر، ولكني أرى أن تمكني من فلان (قريب لعمر) فأضرب عنقه، و تمكن عليا من عقيل، فيضرب عنقه، و تمكن حمزة من فلان، فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، هؤلاء صناديدهم و أئمتهم و قادتهم.

فهوى رسول الله صلى الله عليه و سلم، ما قال أبوبكر و لم يهو ما قلت، فأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد، غدوت إلى النبي صلى الله عليه و سلم، فإذا هو قاعد و أبو بكر، و هما يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت و صاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، و إن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما.

فقال النبي صلى الله عليه و سلم، أبكي للذي عرض لأصحابك من الفداء، لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة ( لشجرة قريبة) و أنزل الله عز و جل: { َا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  َّوْلولاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ  }  (الأنفال 67، 68 )

إنك لعبة

فراى عمر رضي الله عنه من أحد ولاته قصورا فذهب يلومه و يبوخه، فتدخلت زوجته و قالت: يا أمير المؤمنين، فيم وجدت عليه؟…

فقال لها: يا عدوة الله!!! و فيم أنتي و هذا؟؟ إنما أنتي لعبة يلعب بك، ثم تتركين!.

أهمية الحج

عن قتادة قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه قال: لقد هممت أن أبعث في الأمصار، فلا يوجد رجل بلغ سنا و سبغة، و لم يحج، إلا ضربت عليه الجزية، و الله ما أولئك بمسلمين، و الله ما أولئك بمسلمين.

اذكروا الله

عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: سمع عمر رضي الله عنه في جوف الليل غناء، فأقبل نحوه، فسكت عنه، حتى إذا طلع الفجر قال: إيه، الآن اسكتوا، اذكروا الله تعالى.

طلع الفجر

و عن عاصم بن عبيد الله بن عبد الله بن عامر بن ربيعة، قال: سمع عمر صوت ابن المغترف أو ابن الغرف الحادي، في جوف الليل و نحن منطلقون إلى مكة، فأوضع عمر راحلته، حتى دخل مع القوم، فإذا هو مع عبد الرحمن، فلما طلع الفجر فقال: إيه!! إسكت الآن قد طلع الفجر، اذكروا الله.

قلب عمر رضي الله عنه

عن عامر الشعبي، قال: قال عمر رضوان الله عليه: و الله لقد لان قلبي حتى هو ألين من الزبد، و لقد اشتد قلبي حتى هو أشد من الحجر.

دار أبي سفيان

عن ثابت أن أبا سفيان رضي الله عنه، ابتنى دارا بمكة، فأتي أهل مكة عمر رضوان الله عليه، فقالوا: إنه قد ضيق علينا الوادي، و سيل علينا الماء.

قال: فأتاه عمر فقال: خذ هذا الحجر فضعه ثمت، و هذا الحجر فضعه ثمت.

ثم قال عمر رضي الله عنه: الحمد لله الذي أذل أبا سفيان بأبطح مكة.

عمر يأمر أبا سفيان

عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه، قال: قدمنا مكة مع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فأقبل أهل مكة، و هم يسعون: يا أمير المؤمنين! أبو سفيان حبس مسيل الماء علينا ليهدم منازلنا.

فأقبل عمر و معه الدرة، فإذا أبو سفيان قد نصب أحجارا.

فقال: ارفع هذا.

فرفعه

ثم قال: و هذا و هذا.

حتى رفع أحجاراً كثيرة خمسة أو ستة، ثم استقبل عمرالكعبة فقال: الحمد لله الذي جعل عمر يأمر أبا سفيان ببطن مكة فيطيعه.

حرمة السابقون

عن نوفل بن عمارة قال: جاء الحارث بن هشام و سهيل بن عمرو، إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، فجلسا عنده، و هو بينهما، فجعل المهاجرون الأولون يأتون عمر، فيقول ههنا يا سهيل، ههنا يا حار.

فينحيهما عنه، فجعل الأنصار ياتون عمر، فينحيهما عنه، حتى سارا في آخر الناس، فلما خرجا من عند عمر قال الحارث بن هشام: لسهيل بن عمرو: ألم تر ما صنع بنا؟ فقال له سهيل: أيها الرجل لا لوم عليه، ينبغي أن نرجع باللوم على أنفسنا، دعي القوم فأسرعوا و دعينا فأبطأنا. فلما قاما من عند عمر، أتيا فقالا له: يا أمير المؤمنين قد رأينا ما فعلت اليوم، و علمنا أنا أتينا من قبل أنفسنا، فهل من شئ نستدرك به؟.

فقال لهما: لا أعلمه إلا هذا الوجه.

و أشار لهما إلى غزو الروم فخرجا إلى الشام فماتا بها رحمهما الله.

فأي رجل تكون!!؟؟

عن عاصم بن بهدلة، قال: كان أمير المؤمنين عمر رضوان الله عليه، جالسا مع أصحابه، فمرّ به رجل فقال له: ويل لك يا عمر من النار!!!.

فقال رجل: يا أمير المؤمنين! ألا ضربته!؟

فقال رجل، أظنه عليا رضوان الله عليه: ألا سألته؟

فقال عمر: عليّ بالرجل.

فقال له عمر: و لم؟

قال الرجل: تستعمل العامل، و تشترط عليه شروطا و لا تنظر في شروطه.

قال: و ما ذاك!؟

 قال: عاملك على مصر، اشترطت عليه شروطا فترك ما امرته به، و انتهك ما نهيته عنه.

و كان أمير المؤمنين عمر رضوان الله عليه، إذا استعمل عاملا اشترط عليه شروطا: أن لا يركب دابة، و لا يلبس رفيعا، و لا يأكل نقيا، و لا يغلق بابه دون حوائج الناس و ما يصلحهم.

قال عاصم: فأرسل عمر إليه رجلين، فقال: سلا عنه فإن كان كذب عليه فأعلماني، و إن كان صدق، فلا تملكاه من أمره شيئا، حتى تأتياني به.

فسألا عنه، فوجداه قد صدق عليه، فاستأذنا ببابه، فقال: إنه ليس عليه إذن. فقالا: ليخرجن إلينا أو لنحرقن بابه.

و جاء أحدهما بشعلة من نار، فلما رأى ذلك آذُنُه ( البواب ) أخبره، فخرج إليهما، فقالا: إنا رسولا عمر لتأتيه.

قال: إن لي حاجة بتزود. قالا: ما أنت بالذي تأتي أهلك.

فاحتملاه فأتيا به عمر رضوان الله عليه، فسلم عليه.

فقال عمر: من أنت ويلك!؟

قال: عاملك على مصر.

و كان رجلا بدويا، فلما رأى من ريف مصر، ابيضَّ و سمن.

فقال عمر: استعملتك و شرطت عليك شروطا، فتركت ما أمرتك به، انتهكت ما نهيتك عنه، أما و الله لأعاقبنك عقوبةً أبلُغُ إليك فيها، إيتوني بدرعة من كساء، و عصا، و ثلاثمأئة شاة من شاء الصدقة.

قال له عمر: البس هذه الدراعة و قد رأيت أباك، و هذه خير من دراعته، و هذه خير من عصاه، إذهب بهذه الشاء فارعها في مكان كذا و كذا، و ذلك في يوم صائف، و لا تمنع السائل من البانها شيئا، و اعلم أنا آل عمر لم نُصِب من شاء الصدقة، و من لحومها شيئا.

فلما أمعن، رده قال: أفهمت ما قلت لك؟

و ردد عليه الكلام ثلاثا، فلما كان في الثالثة، ضرب عمرو بن العاص بنفسه الأرض بين يدي عمر، و قال: ما أستطيع ذلك، فإن شئت فاضرب عنقي.

قال له عمر: فإن رددتك فأي رجل تكون؟

قال عمرو: لا ترى إلا ما تحب.

فرده فكان خير عامل

أتُقَبِّل هذا!؟

عن أبي عثمان قال: استعمل عمر رضوان الله عليه، رجلا من بني أسد على عمل، فدخل ليسلم عليه، فأُتي عمر ببعض ولد فقبله، فقال الأسدي: أتقبل هذا يا أمير المؤمنين!؟ فو الله ما قبلت ولدا لي قط.

فقال عمر: فأنت و الله باولاء الناس أقل رحمة، لا تعمل لي أبدا.

فرد عهده.

عتب العمال

روى ابن أبي شيبة، أن عمر رضوان الله عليه، عتب على بعض عماله، فكلم امرأة عمر، فقالت له: يا أمير المؤمنين! فيما وجدت عليه؟

قال: يا عدوة الله! و فيم أنتي و هذا؟ إنما أنتي لعبة يلعب بك ثم تتركين، و كان عمر يقول:

أشكو إلى الله جلد الخائن و عجز الثقة.

هكذا أنزلت

عن المسور بن مخرمة، أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال:

سمعت هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه، يقرأ سورة الفرقان، فقرأ فيها حروفاً لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم أقرأنيها، فأردت أساوره و أنا في الصلاة، فلما فرغ، قلت:

من أقرأك هذه القراءة؟

فقال: رسول الله صلى الله عليه و سلم.

فقلت: كذبت و الله ما أقرأك هكذا رسول الله.

فأخذت بيده أقوده، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقلت:

يا رسول الله! إنك أقرأتني سورة الفرقان، و إني سمعت هذا، يقرأ فيها حروفا لم تكن أقرأتنيها.

فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إقرأ يا هشام.

فقرأ كما كان قرأ.

فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: هكذا أنزلت.

ثم قال: إقرأ يا عمر.

فقرأت فقال: هكذا أنزلت.

ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: إن القرآن أُنزل على سبعة أحرف.

أنت أفظ

نساءأً كن عند رسول الله صلى الله عليه و سلم يرفعن أصواتهن، فأقبل عمر رضوان الله عليه، فابتدرن الحجاب، فقال لهن عمر: أتهبنني و لا تهبن رسول الله صلى الله عليه و سلم؟

فقلن: نعم!، أنت أفظ و أغلظ.

الهيبة

عن القاسم بن محمد قال بينما كان أمير المؤمنين عمر رضوان الله عليه ذات يوم يمشي، و خلفه  عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم، إذ بدا له، فالتفت، فلم يبق منهم واحد إلا و حبل ركبتيه ساقط، قال: فأرسل عينيه فبكى، ثم قال: اللهم إنك تعلم، إني منك أشد فرقا منهم مني.

خوفي لله أشد

عن أسلم أن نفرا من المسلمين، كلموا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فقالوا: كلم عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، فإنه أخشانا، حتى و الله ما نستطيع أن نديم إليه أبصارنا.

قال: فذكر ذلك عبد الرحمن لعمر رضوان الله عليه، قال: أو قالوا ذلك؟! و الله لقد لنت لهم، حتى تخوفت الله في ذلك، و لقد اشددت عليهم، حتى خفت الله في ذلك، و ايم الله لأنا لله أشد منهم فرقاً مني.

لن لنا

عن عمر بن مُرَّة قال: لقي رجل من قريش عمراً، فقال: لِن لنا فقد ملأت قلوبنا مهابة.

قال: أفي ذلك ظلم؟

قال: لا

قال: فزادني الله في صدوركم مهابة.

وقافا

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، و كان من النفر الذين يدنيهم أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. و كان القراء أصحاب مجلس عمر و مشاورته كهولا كانوا أو شبابا. فقال عيينة لابن أخيه: أي ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأكبر، فتستأذن عليه؟.

فأذن له عمر رضي الله عنه، فلما دخل قال: يا ابن الخطاب! ما تعطينا الجزل، و ما تحكم بيننا بالعدل.

قال: فغضب عمر حتى هم أن يوقع به، فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين! إن الله قال لنبيه صلى الله عليه و سلم { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } ( الأعراف 199 ) قال: فو الله ما جاوزها عمر رضي الله عنه حين تلاها، و كان وقافا عند كتاب الله عز و جل.

البعد عن التكلف!

عن أنس رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، قرأ هذه الآية { فأنبتنا فيها حباً و عنبا و قضبا و زيتونا و نخلا و حدائق غلبا و فاكهة و أبّا } ( عبس 27 – 31 ) فقال: هذه الفاكهة و القضيب، و هذه الأشياء قد عرفناها، فما الأب؟.

فوضع يده على رأسه ثم قال: إن هذا لهو التكلف يا بن أم عمر، ما عليك أن تدري ما الأب؟

سووا صفوفكم

عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، إذا أقيمت الصلاة، يستدبر القبلة ثم يقول: تقدم يا فلان، تأخر يا فلان، سووا صفوفكم، فإذا استوى الصف أقبل القبلة و كبر.

اضرب فإنها نائحة لا حرمة لها

عن الأوزاعي قال: بلغني أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، سمع صوت بكاء في بيت، فدخل و معه غيره، فمال عليهم ضرباً، حتى بلغ النائحة فضربها حتى سقط خمارها، و قال: اضرب فإنها نائحة لا حرمة لها، إنها لا تبكي لشجونكم، إنما تهريق دموعها على أخذ دراهمكم. إنها تؤذي أمواتكم في قبورهم و أحياءكم في دورهم. إنها تنهى عن الصبر الذي أمر الله به، و تأمر بالجزع الذي نهى الله عنه.

لآمرن قبرك فيرجم

عن سالم عن أبيه، أن غيلان بن سلمة الثقفي اسلم و تحته عشرة نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: اختر منهن أربعاً. فلما كان في عهد عمر رضوان الله عليه، طلق نساءه، و فرق ماله بين بنيه. فبلغ ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقال: إني لأظن الشيطان فيما يسترق السمع، سمع بموتك فقذفه في نفسك، و أجلك أن لا تمكث إلا قليلا، و أيم الله لتراجعن نساءك، و لترجعن في مالك، أو لأورثن منك، أو لآمرن بقبرك فيرجم كما رجم قبر أبي رغال.

لا تكشف ما ستر الله

عن الشعبي قال: أتى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين! إن ابنة لي قد وأدتها في الجاهلية، فاستخرجناها قبل أن تموت، فأدركت معنا الإسلام، فأسلمت، فأصابها حد من حدود الله، فأخذت الشفرة لتذبح نفسها، و أدركناها و قد قطعت بعض أوداجها، فداويناها حتى برأت، ثم أقبلت بعد توبة حسنة، و هي تخطب إلى قوم، أفأخبرهم بالذي كان؟

فقال عمر رضوان الله عليه: أتعمد إلى ما ستره الله فتبديه، و الله لئن أخبرت بشأنها أحداً من الناس، لأجعلنك نكالاً لأهل الأمصار، أنكحها نكاح العفيفة المسلمة.

فهلا حركوا غرابيلهم!

عن أسلم قال: سمع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ضوضاء في دار، فقال: ما هذه الضوضاء؟

فقالوا: عرس.

فقال: فهلا حركوا غرابيلهم! ( يعني الدفوف ).

فقد فسق

عن عمار بن سعد النجيبي قال: قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه: من ملأ عينيه من قاعة بيت، قبل أن يؤذن له فقد فسق.

زاد الراكب

عن أسامة بن زيد، عن أبيه رضي الله عنهما قال: خرجنا مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه للحج، فسمع رجلاً يغني، فقيل: يا أمير المؤمنين! إن هذا يغني و هو محرم!. فقال عمر رضوان الله عليه: دعوه، فإن الغناء زاد الراكب.

أضاعف له العذاب

عن ابن عمر، أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه إذا نهى الناس عن شيء دخل على أهله، أو قال: جمع أهله فقال: إني قد نهيت الناس عن كذا و كذا، و إن الناس ينظرون إليكم، كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، و إن هبتم هابوا، و إني و الله لا أوتيَ برجل وقع فيما نهيت الناس عنه، إلا أضعفت له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم فليتقدم، و من شاء فليتأخر.

حدين، حد للجرم و حد للقرابة

عن أُسامة بن أسلم، عن أبيه عن جده، قال: سمعت عمرو بن العاص يوماً ذكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، فترحم عليه، ثم قال: ما رأيت أحداً بعد نبي الله صلى الله عليه و سلم و أبي بكر رضوان الله عليه، أخوف لله من عمر رضوان الله عليه. لا يبالي على من وقع الحق، على ولد أو والد. ثم قال: و الله إني لفي منزلي بمصر، إذ أتاني آت. فقال: قدم عبدالله و عبد الرحمن أبنا عمر عاريين ( من غير زاد ) . فقلت للذي أخبرني: أين نزلا؟ قال: في موضع كذا و كذا، لأقصى مصير. و قد كتب إليّ عمر: إياك أن يقدم أحد من أهلي، فتحبوه ( تكرمه و تقربه ) بأمر، لا تصنعه لغيره، فأفعلُ بك ما أنت أهله. فإني لا أستطيع أن أهدي لهما، و لا آتيهما في منزلهما، للخوف من أبيهما. فو الله إنّي لعلى ما أنا عليه، إلى أن قال قائلٌ: هذا عبد الرحمن بن عمر و أبو سروعة على الباب يستأذنان، فقلت: يدخلان. فدخلا و هما منكسران. فقالا: أقم علينا حد الله، فإنا قد أصبنا البارحة شراباً فسكرنا ( و قد شربا النبيذ متأولين و ظناً منهما أن الشرب منه لا يسكر فسكرا. فلما خرج بهما الأمر إلى السكر طلبا التطهير غضبا لله سبحانه، و قد جاءا بإرادتهما، و حاشاهما قصدا الخمرة للسكر و أبو سروعة بدري رضي الله عنهما.) . قال: فزبرتهما ( وبختهما ) و طردتهما. فقال عبد الرحمن: إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت. قال: فحضرني رأي، و علمت أني إن لم أقم عليهما الحد، غضب عليّ عمر في ذلك، و عزلني، و خالفه ما صنعت، فنحن على ما نحن عليه إذ دخل عبد الله بن عمر، فقمت إليه فرحبت به، و أردت أجلسه في صدر مجلسي، فأبى عليّ، و قال: أبي نهاني أن أدخل عليك، إلا أن لا أجد من ذلك بُدّاً، إن أخي لا يحلق على رؤوس الناس شيئاً، فإما الضرب إصنع ما بدا لك. قال: و كانوا يحلقون مع الحد. قال: فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد، و دخل ابن عمر بأخيه إلى بيت من الدار فحلق رأسه و رأس أبي سروعة، فو الله ما كتبت إلى عمر بشيء مما كان، حتى إذا تحينت كتابه، إذ هو نظم فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله، عمر أمير المؤمنين، إلى العاص بن العاص، فعجبت لك يا ابن العاص، و لجرأتك عليّ و خلاف عهدي. أما أني قد خالفت فيك أصحاب بدر، ممن هو خير منك و أخيَرَ لك، بجرأتك عني و إفقاد عهدي، و أراك تلوثت بما تلوثت، فما أراني إلا عازلك، فمسيء عزلك، تضرب عبد الرحمن في بيتك، و تحلق رأسه في بيتك، و قد عرفت أن هذا يخالفني، إنما عبد الرحمن رجل من رعيتك، تصنع به ما تصنع بغيره من المسلمين. ولكن قلتَ: هو ولد أمير المؤمنين، و قد عرفت أن لا هوادة لأحد من الناس عندي، في حق يجب لله عليه، فإذا جاءك كتابي هذا فابعث به في عباءة على قتبٍ حتى يعرف سوء ما صنع.

فبعثت به كما قال أبوه، و أقرأت ابن عمر كتاب أبيه، و كتبت إلى عمر كتاباً، أعتذر فيه و أخبره أني ضربته في صحن داري، و بالله الذي لا يحلف بأعظم منه، إني لأقيم الحدود في صحن داري على الذمي و المسلم. و بعثت بالكتاب مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

قال أسلم: فقُدِمَ بعبد الرحمن على أبيه فدخل عليه و عليه عباءة، لا يستطيع المشي، من مركبه.

فقال: يا عبد الرحمن فعلت كذا، و فعلت السياط كذا.

فكلمه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه و قال: يا أمير المؤمنين! قد أُقيم عليه الحد مرة.

فلم يلتفت إلى هذا عمر و زبره، فجعل عبد الرحمن يصيح: أنا مريض، و أنت قاتلي.

فضربه و حبسه، ثم مرض فمات. رحمه الله. ( فضرب عمر رضي الله عنه، له في المدينة ليس حداً و إنما لأجل مكانه منه، لأن الحد لا يقام إلا مرة واحدة، و في رواية  عن عبد الله بن عمر بعد ضربه أرسله، فلبث شهراً صحيحاً‘ ثم أصابه قدره، فتحسب الناس أنه من جلد عمر، و لم يمت من جلده ) .

أسلم، أستعين بك!

عن وسق الرومي قال: كنت مملوكا لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه، و كان يقول لي: أسلم، فإن أسلمت استعنت بك على أمانة المسلمين، فإنه لا ينبغي لي أن أستعين على أمانتهم من ليس منهم.

قال: فأبيت. فقال: لا إكراه في الدين.

فلما حضرته الوفاة أعتقني و قال: إذهب حيث شئت.

استحييت من أبي بكر

عن عوف بن مالك الأشجعي قال: رأيت رؤيا، كأن سببا ( حبلاً ) تدلى من السماء، و ذلك في إمارة أبي بكر رضوان الله عليه، و أن الناس تطاولوا له، و أن عمر فضلهم بثلاثة أذرع، قلت: و ما ذاك؟ قال: لأنه خليفة من خلفاء الله تعالى في الأرض، و أنه لا يخاف في الله لومة لائم، و أنه يقتل شهيداً.

قال: فغدوت على أبي بكر رضوان الله عليه، فقصصتها عليه، فقال: يا غلام انطلق إلى أبي حفص، فادعه لي.

فلما جاء قال: يا عوف أقصصها عليه كما رأيتها. فلما أنبأتُ أنه خليفة من خلفاء الله تعالى، قال عمر: أكل هذا يرى النائم؟

قال: فقصها عليه، فلما وُلِِّي عمر رضوان الله عليه، أتينا الجابية و إنه ليخطب، فدعاني فأجلسني، فلما فرغ من الخطبة، قال لي: قص عليّ رؤياك.

فقلت له: ألست قد جبهتني عنها؟! قال: لا، ولكني استحييت من أبي بكر رضي الله عنه. فقصها عليّ.

فلما قصصتها، قال: أما الخلافة فقد أُوتيت ما ترى، و أما أن لا أخاف في الله لومة لائم، فإني أرجو أن يكون قد عُلِمَ ذلك مني، و أما أن أقتل شهيداً، فأنى لي بالشهادة، و أنا في جزيرة العرب، و لقد رأيت مع ذلك كأن ديكاً نقرني، و ما أمتنع منه بشيء.

فقلت له: يمنحها الله لك من حيث شاء.

التنخم يميناً

روي أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضوان الله عليه أعطى رجلاً عهداً، و قبل انصرافه تنخم الرجل، و قذف البلغم عن يمينه، فطلبه عمر و أخذ العهد منه.